فصل: (سورة الزخرف: آية 45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور من حديث قُطْبَة بن عبد الْعَزِيز بِهِ مَرْفُوعا بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره من حديث شريك عَن الأعمش بِهِ مَوْقُوفا وَفِيه إِن بَين دُعَائِهِمْ وَإجَابَة مَالك إيَّاهُم ألف عَام من كَلَام أبي الدَّرْدَاء.
وَرَوَاهُ من حديث قُطْبَة بن عبد الْعَزِيز بِهِ مَرْفُوعا وَسَاقه فِيهِ من قول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا من قول الأعمش كَمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ.
1169- الحديث الثَّامِن:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ «سُورَة الزخرف كَانَ مِمَّن يُقال لَهُ يَوْم الْقِيَامَة يَا عباد لَا خوف عَلَيْكُم الْيَوْم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ ادخُلُوا الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ من حديث سَلام بن سليم ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أُمَامَة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سُورَة الزخرف» إِلَى آخِره سَوَاء.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ الثَّانِي فِي آل عمرَان.
وَبِسَنَد الثَّعْلَبِيّ رَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

قال إلكيا هراسي:
سورة الزخرف:
قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ}، الآية: 18، فيه دليل على إباحة الحلي للنساء والإجماع منعقد عليه، والأخبار في ذلك لا تحصى.
قوله تعالى: {بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ} إلى قوله: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ} الآية: 22 و24:
فيه دلالة على إبطال التقليد، لذمه إياهم على تقليد آبائهم، وتركهم النظر فيما دعاهم الرسول عليه الصلاة والسلام إليه.
قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} الآية: 86:
يدل على معنيين:
أحدهما: أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، فإن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة.
والثاني: أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها، أن يكون الشاهد عالما بها، ونحوه ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع». اهـ.

.من مجازات القرآن في السورة الكريمة:

.قال ابن المثنى:

سورة الزّخرف:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} (11) أي أحيينا ونشرت الأرض أي حييت قال الأعشى:
حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبا للميّت الناشر

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ} [12- 13] التذكير لـ (ما).
{وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (13) ضابطين، يقال: فلان مقرن لفلان أي ضابط له مطيق، قال الكميت:
ركبتم صعبتى أشرا وحينا ** ولستم للصّعاب بمقرنينا

{مِنْ عِبادِهِ جُزْءًا} (15) أي نصيبا.
{أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ} (18) يعنى الحلي وهذه الجواري.
{عَلى أُمَّةٍ} (23) على ملّة واستقامة.
{وَإِذْ قال إِبْراهِيمُ} (26) معناها وقال إبراهيم: {إِنَّنِي بَراءٌ} (26) مجازها بلغة علوّية يجعلون الواحد والاثنين والثلاثة من الذكر والأنثى على لفظ واحد وأهل نجد يقولون: أنا بريء وهي بريئة ونحن براء للجميع.
{وَقالوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا القرآن} (31) معناها هلا.
{سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} (33) واحدها سقف مجازها مجاز رهن ورهن قال قعنب بن أم صاحب:
بانت سعاد وأمسى دونها عدن ** وغلقت عندها من قبلك الرّهن

(105) ومن قال سقفا فهو جمع السّقفة.
{وَمَعارِجَ} (33) المعارج الدّرج قال جندل بن المثنّى:
يا ربّ ربّ البيت ذى المعارج

{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا} (36) تظلم عينه عنه كأن عليها غشاوة، يقول: من يمل عنه عاشيا إلى غيره، وهو أن يركبه على غير تبين قال الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد

{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} (41) محازها فإن نذهبن بك.
{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} (51- 52) مجازها بل أنا خير من هذا.
{فَلَمَّا آسَفُونا} (55) أغضبونا ويقال: قد أسفت غضبت.
{إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} (57) من كسر الصاد فمجازها يضجّون ومن ضمها فمجازها يعدلون.
{وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} (63) البعض هاهنا الكل قال لبيد بن ربيعة:
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها ** أو يعتلق بعض النفوس حمامها

الموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض.
{تُحْبَرُونَ} (70) تسرّون محبور مسرور قال العجّاج:
فالحمد للّه الذي أعطى الحبر

{وَأَكْوابٍ} (71) الأكواب الأبارق التي لا خراطيم لها.
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا} (79) أم أحكموا.
{قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} (81) (إن) في موضع (ما) في قول بعضهم: ما كان للرحمن ولد والفاء مجازها مجاز الواو: ما كان للرحمن ولد وأنا أول العابدين قال الفرزدق:
أولئك قوم إن هجونى هجوتهم ** وأعبد إن أهجو عبيدا بدارم

وقال آخرون: محازها: إن كان في قولكم للرحمن ولد فأنا أول العابدين أي الكافرين بذلك والجاحدين لما قلتم وهى من (عبد يعبد عبدا).
{وَقِيلِهِ يا رَبِّ} (88) نصبه في قول أبى عمرو على {نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} (80) وقيله ونسمع قيله وقال غيره: هي في موضع الفعل: ويقول. اهـ.

.قال الشريف الرضي:

ومن حم وهى السورة التي يذكر فيها الزخرف:

.[سورة الزخرف: آية 5]:

{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)}.
قوله سبحانه: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [5] وهذه استعارة. ويقال: ضربت عنه وأضربت عنه بمعنى واحد.
وسواء قولك ذهبت عنه صفحا، وأعرضت عنه صفحا، وضربت وأضربت عنه صفحا، ومعنى صفحا هاهنا أي أعرضت عنه بصفحة وجهى.
والمراد- واللّه أعلم- أفنعرض عنكم بالذّكر، فيكون الذّكر مرورا بصفحه عنكم من أجل إسرافكم وبغيكم؟ أي لسنا نفعل ذلك، بل نوالى تذكيركم لتتذكروا، ونتابع زجركم لتنزجروا. ولما كان سبحانه يستحيل أن يصف نفسه بإعراض الصفحة، كان الكلام محمولا على وصف الذّكر بذلك على طريق الاستعارة.

.[سورة الزخرف: آية 11]:

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}.
وقوله سبحانه: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ} [11] وهذه استعارة. وقد مضى مثلها فيما تقدم، إلا أن هاهنا إبدال لفظة مكان لفظة. لأن ما مضى من نظائر هذه الاستعارة إنما يكون يرد بلفظ إحياء الأرض بعد موتها. وورد ذلك هاهنا بلفظ الإنشار بعد الموت. وهو أبلغ. لأن الإنشار صفة تختص بها الإعادة بعد الموت، والإحياء قد يشترك فيه ما يعاد من الحيوان بعد موته، وما يعاد من النبات والأشجار بعد تسلبه وجفوفه. يقال: قد أحيا اللّه الشجر كما يقال: قد أحيا البشر. ولا يقال: أنشر اللّه النبات، كما يقال: أنشر الأموات.

.[سورة الزخرف: الآيات 26- 28]:

{وَإِذْ قال إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)}.
وقوله سبحانه: {وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [28] وهذه استعارة. لأن الكلام الذي هو الأصوات المقطّعة، والحروف المنظومة، لا يجوز عليه البقاء. وإنما المراد- واللّه أعلم- أن إبراهيم عليه السلام جعل الكلمة التي قالها لأبيه وقومه وهى قوله: {إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [26، 27] باقية في عقبه، بأن وصّى بها ولده، وأمرهم أن يتواصوا بها ما تناقلتهم الأصلاب، وتناسختهم الأدوار. وهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص والتوحيد. واللّه أعلم.

.[سورة الزخرف: آية 45]:

{وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}.
وقوله سبحانه: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [45] وهذا الكلام أيضا داخل في قبيل الاستعارة. لأن مسألة الرسل الذين درجت قرونهم وخلت أزمانهم غير ممكنة. وإنما المراد- واللّه أعلم- واسأل أصحاب من أرسلنا من قبلك من رسلنا، أو استعلم ما في كتبهم، وتعرّف حقائق سننهم.
وذلك على مثال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}.
وقال بعضهم: مسألة الرسل هاهنا بمعنى المسألة عنهم، عليهم السلام، وعمّا أتوا به من شريعة، وأقاموه من عماد سنّة. وقد يأتى في كلامهم: اسأل كذا. أي اطلبه، واسأل عنه.
قال سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا} أي مسئولا عنه.
وقال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} أي سئل عن قتلها، وطلب بدمها. فكأنه تعالى قال لنبيه عليه السلام: واسأل عن سنن الأنبياء قبلك، وشرائع الرسل الماضين أمامك، فإنك لا تجد فيها إطلاقا لعبادة معبود إلا اللّه سبحانه. وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الزخرف:
بدأت سورة الزخرف بالآيات {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}. تكرار عروبة القرآن توكيد للرسالة التى حملها العرب، وهم في هذا العصر فقراء إلى هذا التوكيد، فقد نبتت بينهم نابتة تحسب أن العرب أغنياء عن الإسلام! ويوم يستغنى العرب عن القرآن فسيكونون أذل شعوب الأرض!! إن هذا القرآن عالى المكانة ملىء بالحكمة، وليس له في العلم الإلهى نظير، على أن الأمم التى كفرت بالوحى خسرت دنياها وأخراها معا، ولن يكون العرب خيرا منها مآلا. ويكشف أول السورة عن التناقض العقلى الذي وقع فيه المشركون. فهم يعترفون بأن الله هو الخالق {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}. {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون}. فإذا كان الله العزيز العليم هو الذي خلقهم وخلق السموات والأرض، فما وظيفة الأوثان التى عبدوها؟ وما شغلها؟ وما قيمة أحجار منحوتة لا تعى ولا تضر ولا تنفع؟ أولى بهم أن يعرفوا الله وحده، وأن يتجهوا إليه وحده {الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون}. وقد ادعى المشركون أن لله أولادا هن أجزاء منه!! وهذا كذب، فليس لله جزء، ولا يوصف بأنه ولد أو والد. إنه فرد صمد. وقد رد في هذه السورة على ذلك الزعم قائلا: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون}.
والغريب أن العرب في جاهليتهم كانوا يزدرون الإناث، ومع ذلك فقد نسبوا الإناث إلى الله، وترفعوا هم عنها {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون}. وفى سورة الإسراء يقول: {أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما}. ومضى المشركون في كذبهم فزعموا أن الله هو الذي أراد لهم ذلك الإشراك! وساقهم إليه، فكشف أن كفرهم بلادة وعناد {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين}. إن جحد الحق ينشأ عن شهوات غالبة لا عن أدلة محترمة وكثيرا ما تكمن في النفوس أهواء تصدها عن تصديق البديهيات. وقد كشف القرآن الكريم خبايا المشركين عندما قال! {كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر}. إن طبائع الحسد والحقد هي التى تتحرك وراء التكذيب والخصومة، والمتتبع لسير الأنبياء جميعا يلحظ عمل هذه الغرائز الخسيسة في النيل منهم واعتراض طريقهم. فبعد أن قالوا في سورة ص {أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب}، قالوا هنا {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}! والقريتان مكة والطائف، والسؤال لماذا لم ينزل القرآن على عمدة من هؤلاء العمد؟ إن المنطق الطبقى هو المسيطر عليهم، كأن عمد القرى هم الذين يختارون لأداء رسالات الإصلاح والارتقاء ونقل الأمم من الظلام إلى النور. وقديما اعترض بنو إسرائيل على تنصيب {طالوت} ملكا عليهم {قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال}. وجاء الرد عليهم {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء}.
إن تنوير الأقطار وتحرير العبيد ونقل الأجيال من القاع إلى القمة يتطلب معادن خاصة ورجالا من طراز نفسى رفيع، ولا يرشح لذلك شخص لديه مال كثير ينفقه في مآربه وملذاته. والبشر من الناحية المادية يرأس بعضهم بعضا، فالمهندس يأمر العامل والقائد يأمر الجندى. ولكن ما علاقة ذلك بزكاة الروح وسناء الضمير وزراعة الخير في أرجاء الحياة؟ ولذلك يقول الله تعالى ردا على مطالب الجاهليين بتعيين أحد العمد نبيا: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون}. إن تفاوت مكانة الناس في وظائف الدنيا لازم في ميادين الصناعة والزراعة وغيرهما ولا دخل له في رسالات المصطفين الأخيار الذين يصنعهم الله على عينه ليربوا البشر ويرفعوا مستواهم. وهناك أمر آخر: أن ما يظفر به البعض من متاع الدنيا لا دلالة فيه على خير، فقد يبسط الله الرزق لقوم هم حطب جهنم! ويبتلى بالعبودية أمثال عمار بن ياسر وبلال بن رباح، وهم من ملوك الجنة، وقد عانوا بلاء شديدا في هذه الحياة. بل بين الله هنا: أنه لولا أن يخدع الناس جميعا بتنعيم الكفار لجعل الحظوظ تنهمر على أعداء الله!! {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين}. قد يجد المبطلون أعوانا يتجاوبون معهم وينصرون باطلهم بالمقالات المزوقة حينا وبالأسنة المشرعة حينا آخر. وفى هذا جاءت الآية {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}. ويقول الله في هذه السورة {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}. وهؤلاء القرناء يؤلفون الجماعات التى تقاوم الحق وتزرع الأشواك في طريقه، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يتصدى لهؤلاء ويتشبث هو وقومه بالوحى الذي شرفهم الله به {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}.